المقالاتأهم اشكاليات التحكيم في المملكة العربية السعودية

16 ديسمبر, 20200

اشكاليات التحكيم في المملكة العربية السعودية

د. عمر الخولي : شريك أعمال شورى للمحاماة والتحكيم

 

القوانين، إن لم تكن مقترنة بالممارسة الصحيحة والقناعة بمضمونها، فإنها تظل حبراً على ورق، ولن يمكنها تحقيق النتيجة المرجوة من إصدارها. ولعلي في هذه الجزئية من الورقة أسلط قدراً من الضوء على أبرز الاشكاليات العملية في عالم القضاء التحكيمي في المملكة والمتمثلة فيما يلي:

أهم اشكاليات التحكيم في المملكة العربية السعودية:

  • سوء صياغة كل من القانون ولائحته التنفيذية:

إسراف قانون التحكيم السعودي في ذكر بعض التفاصيل الاجرائية التي عادة ما يترك تنظيمها للائحة التنفيذية أو قانون المرافعات. كما صدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون بصورة مقتضبة إلى حد كبير في الوقت الذي كان ينتظر منها التصدي للتعامل مع عدد كبير من الإشكالات العملية. وقد صدرت هذه اللائحة ” صادمة ” لكافة العاملين في مجال التحكيم أو المهتمين به إذ صدرت بعد خمس سنوات من انتظارها. وقد كان من المفترض أو المتوقع أن تصدر مستفيضة ببيان الاحكام التي لم يتناولها قانون التحكيم أو يتصدى لبيان كيفية علاجها أو التعامل معها بل صدرت في (19) مادة يفترض أنها تتضمن أحكاماً تغطي (58) مادة هي مواد القانون . ولعل مرد هذا هو الخلاف الذي أحدثه قرار مجلس الوزراء رقم (156) وتاريخ 17/5/1433هـ القاضي بقيام وزارة العدل ووزارة التجارة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء والجهات الأخرى ذات العلاقة بإعداد مشروع اللائحة التنفيذية لهذا النظام . هذا القرار الذي أدى إلى نشوب صراع خفي بين الوزارتين وبينها وبين الجهات الأخرى  فترك بصمته على هذه اللائحة فخرجت بهذه الصورة الموجزة والقاصرة .

  • من أهم اشكاليات التحكيم :تحديد مبادىء الشريعة الإسلامية :

يتضمن قانون التحكيم السعودي تكرار الإشارة إلى وجوب الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة إلى حد قد  يحمل بين طيّاته قدراً من المخاوف لدى راغبي استثمار رأس المال الاجنبي في المملكة . ولعل الاعتبارات العملية تقتضي اعادة النظر في مواد هذا القانون بحيث يتضمن نصوصا صريحة في هذا الشأن لمواجهة احتمالات أن تقوم منازعات ذات طبيعة دولية بين شركات سعودية وشركات اجنبية تصدر فيها احكام تحكيم ويكون القانون الموضوعي واجب التطبيق هو القانون السعودي ومن ثم يتم الاعتراض عليه امام القضاء السعودي بحجة مخالفته للنظام العام في المملكة والذي هو عبارة عن اراء في المذاهب واجتهادات للفقهاء تتمتع بتفسيرات متباينة وذلك في ظل غياب تدوين احكام الشريعة الإسلامية على هيئة مواد محددة تبعا للراجح في المذهب السائد بحيث تكون مرجعية واضحة سلفاً للجميع. .

  • مصاعب في تنفيذ أحكام التحكيم :

إن تنفيذ الحكم التحكيمي في المملكة من اهم اشكاليات التحكيم التي عادة ما يكون رهنا بعدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية واعتبارات النظام العام ولكن تمكن المشكلة في عدم وضوح مدلول مصطلح ” أحكام الشريعة الإسلامية ” ومفهوم ” النظام العام ” في المملكة وذلك على اعتبار أن احكام الشريعة الإسلامية لم تزل طليقة في كتب الفقه المتعددة وتبعا للمذاهب المختلفة والآراء الفقهية المتباينة والفتاوى المتعارضة . ولذا فإن من أكبر اشكاليات التحكيم في المملكة هي تعذر تنفيذ احكام تحكيم استناداً إلى الاجتهاد القضائي لتحديد مفهوم الشريعة الإسلامية أو حتى مدلول النظام العام بحسبان أن الشريعة الإسلامية تمثل النظام العام في المملكة . ولعل هذا أحد الأسباب الرئيسة التي تعمل على عزوف اطراف العلاقات التعاقدية على اختيار القانون السعودي كقانون موضوعي يحكم النزاع التحكيمي .

  • النظرة السلبية من بعض القضاة إلى التحكيم :

يرفض عدد غير يسير من القضاة فكرة التحكيم تحت وطأة الإحساس بأنه يسلبهم اختصاصهم الأصيل بالفصل في المنازعات ، وأن اللجوء إلى التحكيم من شأنه إسناد هذا الاختصاص إلى أناس غير مؤهلين لمزاولة عمل ذو طبيعة قضائية ويجعلهم في درجة مساوية لأعضاء السلك القضائي . هذا فضلاً عن أن التحكيم من شأنه أن يكسر احتكار القضاء لمسألة الفصل في الخصومات ولذا نجد شغف عدد من القضاة وحرصهم على إبطال أحكام التحكيم لأسباب كثيرا ما تكون واهية مستغلين في ذلك عدم مباشرة المحكمة العليا في المملكة لأعمالها حتى يمكن الطعن في الحكم الصادر ببطلان الاحكام التحكيمية . وقد ساهم هذا ايضا في زيادة اشكاليات التحكيم في المملكة.

  • الانتقاص من القضاء التحكيمي :

قيام بعض العاملين في مجال القضاء بتشويه صورة التحكيم والعمل على الانتقاص من أهميته ودوره, وأنه لا يعدو أن يكون عملية “صلح” بين أطرافه وأنه يستغرق وقتاً طويلاً وتكاليفاً باهظة ، وذلك عملاً على الحد من انتشار التحكيم أو لجوء المتنازعين إليه ، متناسين في هذا السياق مدى التأخير والإطالة غير المبررة التي تقع على القضايا المنظورة أمام جهات القضاء العام.

  •   النظرة السلبية إلى المحكمين غير المواطنين :

نظرة الاستخفاف العامة والشك التي يتم ايلائها الى المحكمين غير السعوديين من قبل أطراف النزاع لاسيما ان كانوا من العرب أو من دول العالم الثالث تجعل الكثير ممن هم مؤهلين لعملية التحكيم من مختلف الدول الأخرى يعتذرون عن قبول مهمة التحكيم في المملكة بالنظر إلى النظرة السلبية التي يوليها بعض من أطراف النزاع والمحكمون المحليون إلى المحكمين من غير المواطنين رغم ما يتمتعون به من كفاءة عالية تنعكس بالضرورة على الكوادر الوطنية .

  • النظرة السلبية إلى ” القانونيين ” :

وجود رفض – أو بالأحرى نظرة عداء غير منظورة – وإن كانت  ملموسة ضد خريجي اقسام الانظمة أو القانون أو كليات الحقوق وهو ما انعكس سلباً على قضاء الاستئناف الذي بات من الوضوح بمكان حرصه البالغ على تصيد أي جزئية يتم التوكأ عليها للقضاء ببطلان الحكم التحكيمي الذي صدر عن “قانونيين” غالباً ما يحكمون بغير ما أنزل الله !

  • عدم الثقة في مراكز التحكيم الوطنية :

كان لتأخر انشاء مراكز تحكيم محلية في المملكة تتولى تنظيم عملية التحكيم والإشراف على إجراءاته أسوة بالمراكز الموجودة في عدد من الدول الأوروبية والعربية والخليجية، الأثر الواضح في إحالة معظم قضايا التحكيم في المملكة إلى تلك  المراكز نتيجة انحسار الثقة في خبرة المراكز المحلية .

  • المبالغة في أتعاب المحكمين :

عدم وجود معيار أو ضابط واضح لتحديد اتعاب المحكمين أدى إلى المبالغة الواضحة في تحديد أتعاب المحكمين ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكلف المتقاضين مبالغ باهظة لن يكونوا ملزمين بدفعها في حال لجوئهم إلى القضاء المختص لاسيما وان القضاء في المملكة لم يزل مجانياً .

  • ضعف ثقافة التحكيم لدى أطراف النزاع :

عدم إلمام كثير من أطراف النزاع بفكرة التحكيم ومفهومه وآليته وإجراءاته ومزاياه والأشخاص المؤهلين للقيام بعملية التحكيم ، وشيوع عدم معرفة الفوارق بين المحكمين المقيدين وبين المحكمين المعتمدين, ليس فحسب لدى أطراف النزاع بل أيضاً لدى معظم المحامين والمحكمين انفسهم . كل ذلك أدى إلى نظرة سلبية يتم تداولها لحث الآخرين على اللجوء إلى التحكيم المؤسسي خارج المملكة وتعتبر هذه النقطة من أهم اشكاليات التحكيم في المملكة. ومن هنا نشأ حرص وإصرار بعض رجال الأعمال والشركات الكبرى على اللجوء إلى مراكز التحكيم في أوروبا أو أمريكا أو بعض الدول العربية لثقتهم في هذه المراكز و حرصهم الشديد على السرية في الطرح والتناول والتداول.

ومن جانب آخر فإن هناك إشكالية متكررة في صياغة شرط التحكيم  في معظم العقود التي يبرمها رجال الأعمال في المملكة حينما يتم الاتفاق على تضمين العقد شرط تحكيم إذ يتم الاكتفاء بوضع هذا الشرط دون بيان لأي من تفاصيل عملية التحكيم مثل مكان التحكيم ولغته ومدته والقانون الاجرائي الحاكم لاجراءات التحكيم والقانون الموضوعي الواجب اعماله على النزاع ونحو ذلك . ولا شك أن اغفال مثل هذه البيانات من شأنها اثارة منازعات جانبية بين الطرفين تتعلق بكل من هذه الجزئيات التي لم يرد النص عليها في اتفاق التحكيم بحيث يمكن لأي من الطرفين التلكؤ أو المماطلة في التوقيع على اتفاق التحكيم  المحدد لهذه التفاصيل وذلك بهدف كسب الوقت اضرارا للطرف الآخر .

ومن الملحوظ ايضا قيام بعض رجال الاعمال في المملكة بالاكتفاء بتحرير العقود التجارية الدولية المبرمة بينهم وبين الشركات الاجنبية باللغة الانجليزية فقط وعدم القدرة على فرض أو اشتراط اللغة العربية بحيث تكون فاعلة إلى جانب اللغة الانجليزية . ومثل هذا القصور يقودهم إلى تفسير العقد على نحو يرتبط باللغة التي حرر بها العقد وذلك عند نظر أي  نزاع قد يقوم بين الطرفين بحيث لا يتم عند نظر النزاع التحكيمي اعمال التفسير الذي يطالب به الطرف السعودي والذي قام بناء عليه بالدخول في العلاقة التعاقدية وتوقيع العقد

  • احتكار قضاء التحكيم :

حصر أو تدوير قضايا التحكيم في أيدي عدد معين من المحامين أو الأشخاص  لاسيما تلك القضايا التي تطرح أو تعرض على بعض الغرف التجارية الصناعية . وهو ما أدى إلى الكثير من الأخطاء الإجرائية وضعف في صياغة أحكام التحكيم وركاكة في تسبيبها نتيجة صدورها عن محكمين غير مؤهلين على نحو يضعف الثقة في أحكام التحكيم المحلية كما أن ذلك ساعد على “قولبة” القضاء التحكيمي في المملكة في مسار تقليدي يصعب تطويره ليتوائم مع ما هو معمول به في مختلف دول العالم .

  • غياب ميثاق الشرف :

عدم وجود ما يعرف بميثاق الشرف الخاص بالمحكمين لضبط سلوكياتهم المرتبطة بعمل التحكيم اسوة بالمواثيق الموجودة في كثير من مراكز التحكيم العربية والأجنبية ، ادى ذلك إلى عدم قدرة الكثير من ” المحكمين ” الفصل بين وظيفة المحامي ووظيفة المحكم .

  • ضعف التأهيل في مجال التحكيم :

قلة عدد المحكمين المؤهلين فعلياً للاشتراك في هيئات التحكيم نتيجة اقبال الكثير منهم وحرصهم البالغ على المشاركة في أي قضية تحكيمية رغم عدم إلمام الكثير منهم  بفكرة التحكيم ومفهومه وآليته وإجراءاته ، فضلا عن ضعف التزامه بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها في قانون التحكيم ولائحته التنفيذية ، وذلك من باب اضافة لقب ” محكم ” إلى بطاقة التعريف لكسب عدد اضافي كعملاء لمكتب المحاماة ، كل ذلك أدعى إلى صدور أحكام ببطلان كثير احكام التحكيم واضعاف الثقة العامة فيه كوسيلة لحسم المنازعات .

وقد تسارع الكثير من غير الاختصاصيين في العلوم القانونية إلى استخدام مسمى ” محكم ” مثلما يقومون باستخدام مسمى ” مستشار قانوني ” وذلك من أجل العمل على أن يرسخ في الاذهان وجود علاقة بينهم وبين العمل القانوني رغم أن تخصاصاتهم العلمية بعيدة جدا عن القانون ، ولكن بريق العمل القانوني ومسمى العاملين في هذا القطاع قد استقطبهم للعمل على اخفاء التخصص الأصلي والزعم بالتخصص في القانون وهو الأمر الذي انعكس سلبا على ما يسمى بالأعمال والشروحات والكتابات و المحاضرات ” القانونية”  في المملكة .

  • ومن اشكاليات التحكيم : إذعان رجال الأعمال لطلب اللجوء إلى قوانين الدول الأخرى :

في كثير – بل معظم – العلاقات التعاقدية التي تكون احد اطرافها مؤسسة أو شركة سعودية لا يحرص الطرف الوطني على اختيار القانون الوطني في حال وجود أي نزاع تحكيمي بين الطرفين ، وسرعان ما يذعن لطلب الطرف الأجنبي إعمال قانونه الوطني أو أي قانون اجنبي آخر ليحكم موضوع النزاع على اعتبار ما تتبناه الدول والشركات والمؤسسات الأجنبية من نظرة سلبية إلى قوانين الدول النامية ومنها المملكة العربية السعودية مفادها قصور هذه القوانين وعدم قدرتها على مواكبة مستجدات عالم الأعمال الدولية .

  • صعوبة تنفيذ الاحكام التحكيمية :

 الإجراءات المطولة لتنفيذ أحكام التحكيم بما قد يجاوز المدة التي يستغرقها تنفيذ أحكام القضاء العادية.

  • تعمد خلق سبب لإبطال الحكم التحكيمي :

من اشكاليات التحكيم أيضا: قيام بعض المحكمين بالانسحاب من التحكيم أو الغياب عن الجلسات أو التوقيع خارج الجلسة ، وذلك عملاً على خلق سبب للبطلان لمصلحة من اختاره للتحكيم بعد أن وقر في خاطره أنه محامياً لمن اختاره وليس مزاولاً لعمل قضائي .

  • التوسع الزمني المحدد في القانون لحسم النزاع :

من المعلوم أن القضاء التحكيمي يستهدف سرعة الفصل في المنازعات وأن التأخر في الفصل في الدعوى التحكيمية يبدد الغاية المنشودة من عملية التحكيم وقد نصت معظم قوانين بعض الدول ومراكز التحكيم على عدم تجاوز المدة الأصلية للفصل في النزاع أكثر من (6) أشهر . إلا أن قانون التحكيم السعودي نص على امكانية أن تصل مدة الفصل في النزاع إلى (12) شهر ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك . ثم اجاز لهيئة التحكيم منح مدة اضافية قدرها (6) أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تجاوزها . وبهذا يكون قانون التحكيم السعودي قد تجاوز المألوف وتوسع فيما هو متعارف عليه من حيث المدة الزمنية لحسم النزاعات عبر التحكيم مكونا أحد اشكاليات التحكيم.

ومن ذلك قيام محكمة الاستئناف بإلغاء حكم تحكيمي لأن ملف الدعوى لم يصلها كاملاً من أمانة سر هيئة التحكيم . وقيامها ايضا بإلغاء حكم تحكيمي لأن منطوق شهادة الشهود قد تم تثبيته في محضر الجلسة ولم يتم تثبيته في سياق الحكم التحكيمي .

  ومن ذلك ما وقع في عام 2003م في مؤتمر تحكيم دولي تم عقده في العاصمة اليمينية صنعاء شارك فيه عدد من علماء وفقهاء التحكيم في العالم العربي ، قام رئيس احدى الدوائر التجارية بديوان المظالم وعضوا في ما كان يسمى بـفريق التحكيم السعودي (قبل الغائه) قام فضيلته في ختام المؤتمر بإلقاء كلمة الوفد وقد تضمنت القول بأن التحكيم ليس إلا مظهراً  من مظاهر ووسائل الاصلاح بين الناس ولا يمكن أن يرقى إلى مرتبة القضاء ، وأن عقد مثل هذه المؤتمرات الخاصة بالتحكيم مضيعة للوقت ، كما أنها تؤثر سلبا على القضاء الشرعي الذي لا ينبغي أن يقوم عليه إلا خريجو الكليات الشرعية … ونحو ذلك من  الطروحات الصادمة  و التي كان لها أثر سلبيا وكون نقطة زائدة في اشكاليات التحكيم بالغا لدى كافة الحضور على اعتبار أنه كان من الوضوح بمكان أن المتحدث لا يدرك وغير مستوعب لفكرة التحكيم أصلا ، وأن القضاء في الدول الأخرى لا يطلق عليه قضاءاً شرعياً  .

 ومن ذلك – على سبيل المثال – التهديد الذي تعرض له احد المحكمين في قضية تحكيم تمت في مدينة جدة بين شركة سعودية وشركة اجنبية إذ اتصل به احد الاطراف وحاول اثناءه عن موقفه في القضية وهدده بإنهاء عقده مع جهة عمله في المملكة وترحيله مهدداً إياه بقوله “حافظ على أكل عيشك في البلد ” وذلك بعد أن قام محكم الطرف الآخر بتسريب مداولات هيئة التحكيم .

وسائل النهوض والارتقاء بالتحكيم في المملكة العربية السعودية:

إذا كان قانون التحكيم السعودي (1433هـ) قد اتى خلوا من أية نصوص تعمل على  استبعاد المحكمين غير المؤهلين من ساحة التحكيم بالنظر إلى الأهمية والحساسية التي ينطوي عليها هذا العمل ، وضرورة ألا يقوم به ألا من كان مؤهلاً له وليس كل من يزعم أنه محكم رغبة منه في استثمار البريق الذي يحمله أو ينطوي عليه هذا المسمى أمام الغير ،  فقد انضمت اللائحة التنفيذية إلى القانون فجاءت خلواً من النص الذي يساعد على تنقية قضاء التحكيم من الدخلاء على عالمه ومن تحديد الضوابط الشخصية والموضوعية المفترض توافرها في المحكم .

ولعل هذا الوضع يدفعنا إلى تقديم عدد من المقترحات التي من شأنها العمل على النهوض بقضاء التحكيم في المملكة وحال اشكاليات التحكيم في المملك العربية السعودية ، والتي تتمثل في :

1- التوسع في اسناد قضايا تحكيم إلى مراكز التحكيم التي تم انشاؤها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لإدارة عمليات التحكيم مع الحرص على تبسيط الإجراءات وتيسير وسائل اختيار المحكمين وعقد الجلسات .

2- تكريس الاهتمام بإعداد قائمة بمحكمين معتمدين ممن يجيدون القضاء التحكيمي ، وليست مجرد قائمة ” قيد ” تضم اسماء الكثير من حديثي التخرج ممن  تنقصهم الخبرة المفترضة لمن يتولى عملية التحكيم . وتعميم هذه القائمة على كافة الغرف التجارية الصناعية و مراكز التحكيم أو فروعها. على ألا يتم الاعتماد أو القيد في هذه القائمة إلا بعد استيفاء الشروط المطلوبة في النظام وفي اللائحة التنفيذية وفي شخص من يتقدم بطلب القيد والاعتماد بحيث يكون متمتعاً بحد أدنى من التأهيل المعرفي بقضاء التحكيم و مؤهلاً علميا وعملياً لتولي مهام عملية التحكيم  .

3- العمل على رفع كفاءة الراغبين في العمل كمحكمين وتأهيلهم التأهيل القانوني والمعرفي اللازمين ، وذلك عبر التوسع في إقامة الدورات التدريبية وورش العمل  والمحاضرات والندوات والمؤتمرات المتخصصة وعدم تعيين محكمين إلا من القوائم المعتمدة  بحيث  لا يسمح بأن يكون محكما إلا من كان مؤهلاً علمياً لمزاولة التحكيم ، و / أو حاصل على دورات متخصصة في مجال التحكيم لا تقل عن (100) ساعة تدريبية ، أو حصوله على دبلوم متخصص في التحكيم أو نحو ذلك . لإعداد جيل جديد من المحكمين المؤهلين في المملكة.

4- وضع قوائم استرشادية أو جدول خاص لتحديد اتعاب المحكمين في التحكيم غير المؤسسي – تتأسى بما جرى عليه العمل في مراكز التحكيم – بحيث يتم تقديرها وفقاً لنسب تتناسب عكسياً مع حجم المبلغ محل المطالبة في الدعوى أي وفقاً لقيمة المطالبة في النزاع القائم .هذا مع حث المحكمين على عدم المبالغة في أتعاب التحكيم لإغراء أطراف النزاعات باللجوء إليه كوسيلة لحسم منازعاتهم.

5- نشر أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم في المملكة العربية السعودية – بعد موافقة أطراف النزاع – للمساعدة على نشر ثقافة التحكيم والثقة في القضاء التحكيمي.

6- إنشاء جمعية وطنية علمية ومهنية متخصصة في التحكيم بحيث تضم في عضويتها  المؤهلين لمزاولة التحكيم ، ويكون من بين أهدافها العمل على تطوير التحكيم والتعريف به وإعداد وتجميع البحوث العلمية والاشتراك في الدوريات الخاصة بالتحكيم ، ومتابعة أعضاءها وحماية مصالحهم وتوجيههم .

7- اصدار مدونة سلوك أو ميثاق شرف خاص بمن يزاولون عملية التحكيم يتضمن التعريف بأخلاقيات وأدبيات وضوابط وتقاليد هذه المهنة وأعرافها . بحيث يوقع عليه أعضاء هيئة التحكيم قبل مباشرة أعمالهم ويتم اعتباره جزءاً من مستندات القضية.

8- اصدار لائحة جزاءات يتم الاعلان عنها في أي مركز أو مراكز تحكيم يتم الترخيص لها بحيث تتضمن عقوبات يتم إيقاعها على من تثبت مسؤوليته من المحكمين في مواجهة أطراف النزاع ، أو في حالة إبطال الحكم لسبب يعود إلى أشخاص المحكمين أو أحدهم . هذا مع عدم الإخلال بقواعد المسؤولية الجنائية في حالة ثبوت الغش أو التدليس أو الرشوة في جانب أحد المحكمين ، أو المسؤولية المدنية في حال إلحاقه ضرر موجب للتعويض في حق أحد الخصوم .

9- لا يتم قبول مهمة التحكيم لأي محكم إلا بعد أداؤه لقسم مماثل لذلك الذي يبذله رجال القضاء في الدول الأخرى.

 

 للمزيد حول قسم تسوية المنازعات والوسائل البديلة

اشكاليات التحكيم في السعودية 

اترك تعليقاً