استئناف الإسكندرية تقضي بتعديل سعر شراء وحدة سكنية لأسباب اقتصادية
بتاريخ ٧ مارس ٢٠٢٣، أصدرت محكمة استئناف الإسكندرية حكماً في الدعوى رقم ٦٠٦٦ لسنة ٧٧ قضائية، ويعتبر هذا الحكم اجتهادًا قضائيًا مهمًا في تطبيق نظرية الحوادث الاستثنائية العامة (الظروف الطارئة) وفقا للمادة 147/2 من القانون المدني المصري والتي تمثل استثناءً على قاعدة سلطان الإرادة، إذ عكست المحكمة من خلال قضاءها فهماً عميقاً لمبدأ التوازن العقدي، وحرصًا على تحقيق العدالة التعاقدية في ظل تقلبات اقتصادية طارئة لم تكن في حسبان أطراف العقد. مما ويستحق تسليط الضوء عليه.
- أولاً: الوقائع
- تم ابرام عقد البيع محل النزاع في 15 نوفمبر 2015، بموجبة وقع التزام على الشركة البائعة (المدعي) بتسليم وحدة سكنية كاملة التشطيبات للمشتري (للمدعي علية) خلال 4 سنوات وذلك نظير ثمن قدرة 440,000 ألف جنبهًا وقد تحدد هذا الثمن على أساس أن سعر المتر 2750 جنيهًا.
- دُفع من هذا المبلغ للمدعي 110,000جنيهًا عند توقيع العقد، اما باقي المبلغ وقدرة 330,000 ألف جنيهًا يسدد على عشرون قسط بواقع القسط 11,000 ألف جنيهًا يبدا في 15/3/2016 وينتهي في 15/11/2020.
- بتاريخ لاحق على العقد صدرت عدة قرارات اقتصادية سيادية ترتب عليها تعويم الجنيه في عام 2016 وزيادة الأسعار مما أثر على تكاليف التنفيذ، وكذا صدور العديد من قرارات حظر التجوال بسبب جائحة كورونا وإيقاف أعمال البناء والتراخيص مما أحدث خلل بالجدول الزمني المتفق عليه، ولم يكن في وسع الشركة المدعية توقع هذه الأحداث الاستثنائية مما جعل تنفيذ الالتزام عليها طبقاً للعقد مرهقاً لدرجة لا يكن توقعها، وهو الأمر الذي حدا ذلك بالمدعي بصفته إلى إقامة دعواه.
- ثانيًا: حكم أول درجة
قضت محكمة أول درجة بجلسة 28/7/2021 برفض الدعوي وألزمت المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
- وذلك تأسيسًا على:
نص المادة 147/1 من القانون المدني والتي تنص على أن “ العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون”
وحيث انه لم يتم النص في العقد على أي زيادة في سعر المتر وان الشركة المدعية مقيدة بتنفيذ العقد دون تعديل في السعر او في مدة التنفيذ وأن طرفي التداعي لم تنصرف أرادتهما لإمكانية زيادة سعر المتر المتفق عليه.
- ثالثًا: ما ذهب إليه حكم محكمه الاستئناف
محكمة الاستئناف نقضت الفهم الذي جاء في حكم أول درجة، وأكدت أن الحكم المستأنف أغفل تطبيق الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني، مما يعد خطأً في تطبيق القانون.
1-الدفع القانوني أمام قضاء الاستئناف:
– تمسكت الشركة البائعة (المستأنف) بتطبيق نظرية الحوادث الاستثنائية العامة المنصوص عليها في المادة 147/2 والتي تنص على أنه ” إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وأن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول. ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك“، وطلبت تعديل الالتزام العقدي المرهق إلى الحد المعقول.
– هذا الدفع يتأسس على أن التنفيذ وإن لم يستحِل ماديًا، إلا أنه أصبح مرهقًا يهدد بخسارة فادحة بسبب ظروف خارجة عن إرادتها.
2-حكم محكمة الاستئناف:
قضت المحكمة بتعديل عقد البيع برفع سعر المتر للوحدة محل العقد إلى 4000 جنيه بدلاً من 2750. وقضت كذلك بتمديد أجل التسليم سنتين إضافيتين.
- وذلك تأسيساً على:
- تطبيق المحكمة لنظرية الحوادث الاستثنائية العامة (الظروف الطارئة) التي نصت عليها المادة 147/2 من القانون المدني:
المحكمة مارست سلطتها التقديرية في التقييم لنظرية الحوادث الاستثنائية العامة (الظروف الطارئة) ومدى تأثيرها على تنفيذ العقد وأكدت أن العقد هو قانون العاقدين وهو تطبيق القاعدة مبدأ سلطان الإرادة ويلازم تلك القاعدة أن ما اتفق عليه المتعاقدان متى وقع صحيحاً لا يخالف النظام العام أو الآداب أصبح ملزماً للطرفين ولكن استثناء من ذلك أن المادة 147/2 تجيز للقاضي أن يتدخل لتعديل الالتزام الذي صار مرهقاً على احد العاقدين طبقاً للعقد هو أن تطرأ خلال تنفيذ العقد حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل أي جهة غير طرفي العقد أو من عمل إنسان آخر لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعا ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيما بما يستوجب إلزام المتعاقد الآخر بمشاركة المتعاقد المحمل بهذه الأعباء معه في تحمل نصيب من الخسارة.
- الاستعانة بتقرير خبير فني أثبت بالتفصيل الاتي:
- حدوث ظروف استثنائية عامة: تمثلت في قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري عام 2016، مما أدى إلى انخفاض كبير في قيمته أمام العملات الأجنبية، وهو ما لم يكن في وسع المتعاقدين توقعه وقت إبرام عقد البيع، ترتب على هذه الظروف ارتفاع كبير في تكاليف البناء، من حيث أجور العمال، وأسعار مواد البناء، مما أدى إلى زيادة كبيرة في التكلفة الفعلية للمتر المسطح.
- اختلال التوازن العقدي: بناءً على الظروف الطارئة، أصبحت الالتزامات التعاقدية على عاتق الشركة المدعى عليها مرهقة تهددها بالخسارة الفادحة، حيث أن التكلفة الحقيقية أصبحت 4000 جنيه للمتر بدلاً من 2750 جنيه المتفق عليها في العقد.
- السعر التعاقدي لم يعد يُعبر عن التكلفة الفعلية، بل أصبح يهدد الشركة بخسارة مؤكدة.
رابعًا: التعليق الشخصي
- الأثر القانوني للحكم:
الحكم يرسخ مبدأ مرونة النصوص العقدية عند حدوث طوارئ عامة ويعزز دور القضاء في إعادة التوازن العقدي عند اختلاله بصورة جسيمة تضر بأحد المتعاقدين. كما يُعد مثالاً واضحًا لتجاوز الجمود النصي لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين لصالح العدالة التعاقدية.
- نقاط القوة في الحكم:
اعتمد الحكم على تقرير خبير فني متخصص. كما التزمت بالتفسير المنطقي لنص المادة 147/2. كما ربطت الواقعة الاقتصادية (تعويم الجنيه) بالضرر الفعلي في العقد بالإضافة الي الموازنة بين مصلحة الدائن والمدين بطريقة واقعية وإنسانية وقانونية.
- التوصيات:
- يجب على الشركات العقارية أن تنص صراحة على بنود القوة القاهرة أو الظروف الطارئة في العقود التي تبرمها.
- ضرورة صياغة العقود بما يراعي المرونة في التنفيذ في حالات الاضطرابات الاقتصادية الكبرى.
- يستحسن توثيق جميع الآثار المالية والاقتصادية التي قد تنشأ عن الظروف الطارئة لاستخدامها كدليل مستقبلي.