المقالاتحماية وتشجيع الاستثمارات بين مصر والسعودية خطوة نحو تكامل اقتصادي إقليمي

25 مايو, 20250

حماية وتشجيع الاستثمارات بين مصر والسعودية خطوة نحو تكامل اقتصادي إقليمي

بتاريخ 23 أبريل 2025 و في خطوة قانونية واقتصادية بارزة،ونُشر في الجريدة الرسمية القرار الجمهوري المصري رقم 607 لسنة2024  الصادر في 31 ديسمبر 2024. يتضمن هذا القرار الموافقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، والتي تُعد من أبرز المحاور الحديثة في العلاقات الاستثمارية الثنائية، حيث تؤسس لإطار قانوني شامل يهدف إلى توفير بيئة آمنة وجاذبة لرؤوس الأموال وتحقيق التنمية المستدامة بين البلدين.

أولاً: أبرز ملامح الاتفاقية

  1. تعريف موسّع ومتطور لمفهوم الاستثمار:

    شملت الاتفاقية نطاقًا واسعًا من الأصول والاستثمارات، مثل الأسهم، حقوق الملكية الفكرية، التراخيص، العقود، والمطالبات المالية ذات الطابع الاقتصادي. ومع ذلك، استثنت بشكل واضح بعض البنود مثل المطالبات التجارية البسيطة، والأدوات السيادية كالسندات الحكومية أو القروض العامة.
  2. ضمانات استثنائية و قوية للمستثمرين:
  • تشجيع الاستثمار وتسهيل دخوله إلى إقليم الدولة الأخرى.
  • تحظر الاتفاقية نزع الملكية المباشرة أو غير المباشرة إلا بشروط خاصة، ويكون هناك تعويض عادل وفوري، وذلك في سبيل تهيئة مناخ استثماري آمن من خلال توفير الحماية القانونية للمستثمرين.
  • منح معاملة “لا تقل أفضلية” عن تلك المقدمة للمستثمر الوطني أو المستثمر الأجنبي الأكثر تفضيلاً (معاملة الدولة الأولى بالرعاية).
  • ضمان حق تحويل الأرباح والعوائد الناتجة عن الاستثمار بحرية بعملات قابلة للتحويل.
  • احترام المبادئ البيئية والاجتماعية وحقوق العمل.
  1. احترام السيادة التنظيمية:

    الاتفاقية تضمن حق سيادة الدوليتن وتلزم المستثمر بإنشاء وتشغيل وإدارة استثماراته وفقًا لتشريعات الطرف المتعاقد المضيف لحماية الأمن القومي، الصحة، البيئة، الضرائب، والمعايير المتعلقة بالسؤولية المجتمعية للشركات، ومحاربة الفساد، وحماية المنافسة دون أن يعتبر ذلك إخلالاً بالتزامات الحماية المنصوص عليها في الاتفاقية، وهو توازن نادر ودقيق بين حماية المستثمر وسيادة الدولة.

ثانياً: الحرمان من منافع الاتفاقية

من أبرز الأمور الجوهرية في الاتفاقية والتي تعد من أهم أدوات الحماية للدولة المضيفة، إذ تضمن ألا تتحول الاتفاقية إلى غطاء قانوني لتحايلات استثمارية من كيانات وهمية أو واجهات قانونية لا تمارس نشاطًا حقيقيًا. كما تمنح الدولة المضيفة سلطة نفي الحماية عن الكيانات المرتبطة بأطراف معادية أو خاضعة لعقوبات، حيث أنه يجوز لأي من الطرفين المتعاقدين أن يحرم مستثمرًا تابعًا للطرف الآخر من الاستفادة من مزايا الاتفاقية في حالات محددة، من أبرزها:

  1. عدم وجود نشاط اقتصادي حقيقي للمستثمر في الدولة التي يدّعي التبعية لها.
  2. امتلاك أو سيطرة المستثمر بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل شخص طبيعي أو اعتباري تابع للطرف المتعاقد المضيف.
  3. ارتباط المستثمر بأطراف دولية غير متعاقدة تخضع لعقوبات أو مقاطعة اقتصادية أو سياسية.
  4. إذا كان الاستثمار قائمًا على “تسوق المعاهدات” (Treaty Shopping)، كتغيير الجنسية أو الشكل القانوني للاستثمار بعد نشوء النزاع.

ثالثاً: آليات تسوية المنازعات

من أبرز جوانب التميز في الاتفاقية اعتماد آليات متدرجة وشفافة لتسوية النزاعات الاستثمارية:

  • التسوية الودية لمدة لا تقل عن 6 أشهر.
  • إلزامية الإخطار المسبق للطرف المتنازع قبل اللجوء للتحكيم الدولي.
  • خيارات متعددة للتحكيم الدولي.

رابعاً: الأثر الاقتصادي والقانوني

  1. تعزيز الثقة الاستثمارية:
    توفر الاتفاقية مظلة قانونية شفافة تحفّز المستثمر على المدى الطويل، ما ينعكس على رفع معدلات التدفقات الاستثمارية بين البلدين، وخاصة في قطاعات حيوية مثل الطاقة، البنية التحتية، التكنولوجيا، والسياحة.
  2. نموذج يحتذى به:
    تُعد هذه الاتفاقية نموذجاً متقدماً يُحتذى به في المنطقة العربية، وتفتح الباب أمام تطوير اتفاقيات مماثلة بين دول عربية أخرى على أسس قانونية حديثة، تراعي الاعتبارات البيئية والاجتماعية والتنموية.

خامساً: الخاتمة

إن اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين مصر والسعودية لا تمثل فقط نصًا قانونيًا، بل تعكس رؤية استراتيجية متكاملة تقوم على ركيزتي “حماية الاستثمار” و”تحفيز التنمية المستدامة”. وبالتحليل القانوني الدقيق، نجد أنها تجسّد توازنًا فريدًا بين المصالح الاقتصادية للمستثمرين، وحقوق الدول في إدارة سياساتها العامة.

بهذه الاتفاقية، ترسخ الدولتان شراكة اقتصادية طويلة الأجل، قائمة على الثقة وسيادة القانون، في خطوة حقيقية نحو تكامل اقتصادي عربي فعال ومستدام.

اترك تعليقاً